Prayer Times
www.salatimes.com
| A+ A-

الثاني: يقال مقصوده ما انفرد بروايته المغاربة والأندلسيون عن العراقيين والمصريين من المسائل هو الذي لم يأخذه تنقيح الحضارة وتهذيبها كما يظهر من كلامه، وهو فاسد أيضاً لأنه يقال عليه بعض مذهب مالك لم يأخذه تنقيح الحضارة وتهذيبها، ويلزم عليه حينئذ دعوى صعبة المرتقى، وهي تمييز البعض الذي انفرد به المذكورون مسألة عن البعض الذي هذبته ونقحته حضارة المشارقة كذلك، وهو رحمه الله لم يكن فقيهاً في مذهب مالك فضلاً عن كونه حافظاً لأقوال مذهبه كلها، فضلاً عن إمكانه التمييز بين ما رواه هؤلاء وهؤلاء من الأقوال، فصعوده إلى قمة (افريست) أقرب إليه من هذا، فتحقق أن هذا الكلام من مجازفات كتاب الإنشاء، وهم والشعراء يتوسعون في قذف الكلام بدون مبالاة كما لا يخفى.

الثالث: يبطله أيضاً محور مذهب مالك؛ فإنه يدور على كبار أصحابه المصريين ابن وهب وابن القاسم وأشهب وابن عبدالحكم وحضارة مصر بيت العلم فيها على يد هؤلاء وتلامذتهم طبقة بعد طبقة وغيرهم، وارتحال أهل العلم من العراق والمشرق والمغرب والأندلس للأخذ عنهم مما سارت به الركبان، وقد ضبط في بطون المجلدات، وأما ازدهار الحضارة المزعومة في مصر في عصر الطولونيين والاخشديين والفاطميين ومزاحمتها لبغداد فيها، وتفوقها عليها في عهد الأيوبيين والمماليك البحرية والجراكسة وهلم جرا إلى اليوم فلا يحتاج إلى دليل.

أصبح الملك بعد آل علي

مشرقا بالملوك من آل شادي

وغداً الشرق يحسد الغرب للقوم

ومصر تزهو على بغداد

الرابع: نتيجة هذا الكلام حتماً تجهيل ساداتنا علماء الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم كانوا أبعد الناس عن الحضارة المزعومة، وهم قادة الأمة وسادتها في كل علم وخلق، وقريب من كلام ابن خلدون هذا في سوء تعبيره وقلة أدبه مع سادة السلف وعلمائه قول القائل عصريه في حق الصحابة رضي الله عنهم: إنهم ليسوا ممن يفهم دقائق علم الهيئة بسهولة! وقد أنكر حضرته في رسالته إحقاق الحق على إمام الحرمين (في مغيث الخلق) كلاماً في حق الصحابة يقرب من كلام ابن خلدون هذا أشد الإنكار، فما باله أحله هنا بكلام ابن خلدون؟! قال في صفحة 9 من رسالته إحقاق الحق معلقاً على كلام إمام الحرمين (وقال في صفحة 15) (أصول الصحابة لم تكن كافية لعامة الوقائع) ولذا كان المستفتى في عصر الصحابة مخيراً في الأخذ يقول الصديق في مسألة وبقول الفاروق في أخرى بخلاف عهد الأئمة فإن أصولهم كافية) أقول: هذه الفلتة مستغنية عن الإفاضة في التعليق لأن معنى عدم كفاية أصول الصحابة رضي الله عنهم أنه ليس عندهم ما يبنون عليه جواب المسائل، فيستلزم هذا عدم جواز أن يفتوا لا تخيير المستفتى في الأخذ عمن شاء منهم، لأن القول بعدم كفاية أصولهم تجهيل لهم وسوء أدب نحوهم، وقلة معرفة بأحوالهم، وإلى الله نبرأ من ذلك كله اهـ كلام حضرته، وقد وقع فيما تبرأ منه باستسمانه لكلام ابن خلدون مع أنه على أقل تقدير صريح في تحقير وتجهيل أمة عظيمة من علماء المغرب والأندلس، وليس له ولا لغيره أن يقول كلامه خاص بمالكية المغرب والأندلس، فلا يتناول الصحابة وغيرهم. نقول: هو كذلك لفظاً ولكنه عام معنى فيشملهم كما هو ظاهر للمتأمل فيه.

الخامس: العلوم منح إلهية والإنسان ميزه الله على سائر الحيوان بالعقل، فالذكاء والبلادة متساويان في فطرة حضر أو بادية، وقد قال أمير المؤمنين حيدرة رضي الله عنه كما في الصحيح لما سئل: هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ فقال: ما خصنا بشيء دون الناس إلا ما في هذه الصحيفة أو فهما أوتيه رجل، وهو هو رضي الله عنه باب مدينة العلم من أشد الصحابة تقشفاً وزهداً في الدنيا وخشونة؛ فهو على نظرية ابن خلدون من أعرق الناس في البداوة، بل هذا ابن مسعود رضي الله عنه جراب العلم الذي هو دعائم مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه أعرق علماء الصحابة في البداوة لأنه من هذيل وهم بادية مكة أمضى شطراً من عمره في رعاية الغنم ثم أسلم وهو كبير، فمكث مع الرسول عليه الصلاة والسلام تلك المدة الوجيزة يتغذى بمعارف المدرسة الإلهية، فأصبح أحد الأساطين الذين رفعوا قبة الإسلام العظيمة على المعمورة.

ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[20 - Nov-2006, مساء 06:07]ـ

¥


The Noble Quran - Quran translation

«We are the best Knower of that which they say, and thou art not over them over them tyrant. Wherefore admonish thou by the Qur'an him who feareth My threat.»

Surah Qaf