Prayer Times
www.salatimes.com
| A+ A-

السادس: يلزم من هذا الكلام الذي توكأ عليه الكوثري في هضم المالكية أن أهل عصرنا هذا أعلم وأرقى بكثير من أهل العصر الذي قبلنا، وهكذا يلزم في كل جيل بالنسبة لمن قبله إلى عصر الصحابة، فتكون نسبة فقه الصحابة الذي لم يأخذه تنقيح الحضارة المزعومة وتهذيبها إلى فقهنا أهل هذا العصر عصر النور والثقافة كما يقولون جزءا من أربعة عشر جزءاً على أقل تقدير، عياذاً بالله من فلتات اللسان، وفساد الجنان؛ وهذا عكس ما جاء في الأحاديث المستفيضة عنه عليه الصلاة والسلام من كثرة الجهل، وقلة العلم، وعمران أماكن اللهو، وخراب أماكن العبادة، وفشو المعاصي آخر الزمان عكس قوله عليه الصلاة والسلام لأصحابه "أنتم في زمان كثير فقهاؤه، قليل قراؤه، وسيأتي على الناس زمان كثير قراؤه، قليل فقهاؤه"، عكس قوله عليه الصلاة والسلام:"خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته، يشهدون قبل أن يستشهدوا، ويحلفون قبل أن يستحلفوا، ويظهر فيهم السِمن".

السابع: تنقيح الحضارة وتهذيبها لمذهب مالك في القرون الوسطى والمتأخرة نهض به المغاربة والأندلسيون، فهم الذين جمعوا أمهات المذاهب الكبيرة وهم الذين اختصروها وهذبوها وشرحوها شروحاً واسعة جداً ومتوسطة، واحتجوا له بالأثر والنظر، وصنفوا فيه علاوة على الأمهات ومختصراتها وشروحها ثروة هائلة من الدواوين مبسوطة ومتوسطة ومختصرة أصولاً وفروعاً ونوازل، يشهد لهم بذلك كتب طبقاتهم، كما يشهد لهم أيضاً بعض مختصرات كتب متأخريهم المعتمدة في تدريس مذهبهم اليوم؛ فإنها تدور على زبدة آراء فحول محققي علمائهم في القرون الوسطى كابن يونس واللخمي والمازري وابن رشد وأضرابهم، واعتمدوا ما حقق المغاربة، والشمس في المشرق ليست غاربة، فحكم ابن خلدون هذا عليهم بغي وجهل محض، يوضحه:

الوجه الثامن: فإن حضارة القيروان وكونها عاصمة المغرب وعكاظ العلم، يفد إليه الناس من نواحي المغرب البعيدة، ومن الأندلس والمشرق للارتواء من فائض فراته الممد من النابعين النازلين بها وغيرهم، ومن أكابر شيوخ أفريقية أصحاب مالك كعبد الله بن أبي حسان اليحصبي، والبهلول بن راشد، وعبدالرحيم بن أشرس، وعلي بن زياد التونسي العبسي وغيرهم قبل ارتحال سحنون وأسد بن الفرات إلى المشرق- مما لا يخفى على المبتدى في طلب العلم، ثم نشره ورفع رايته على يد الإمام سحنون وتلامذته طبقة بعد طبقة أشهر من نار على علم، إلى أن سلط الفاطميون بمصر أعراب الجزيرة من بني رياح وزغبة على ابن باديس مالك أفريقية في القرن الخامس، فخربوا تلك المدينة العظيمة وذهبت محاسنها، فتحول تيار العلم إلى حواضر المغرب التي كانت نهضت لمساجلة القيروان إذ ذاك كتونس وبجاية وتلمسان ومراكش وفاس.

الوجه التاسع: يبطله أيضاً حضارة الأندلس التي فاقت حضارة بغداد والمشرق، ولا زال الناس مسلمين وأجانب ينقبون ويستخرجون كنوزها الثمينة في جميع الفنون، ولا سيما الهندسة العملية في البناء والرسم، وهم مؤسسو كثير من الفنون التي عم نفعها الأوربيون اليوم، اعترف لهم بذلك القريب والبعيد، قال المؤرخون: كان بشبه جزيرة الأندلس من أمهات المدن العظيمة أربعون مدينة؛ وأما المتوسطة والقرى فشيء يكلّ عنه الإحصاء وكان حول مدينة قرطبة نحو ثلاثة آلاف قرية كل قرية تقام فيها الجمعة وفيها سبعمائة مسجد، وكان من عادة ملوك بني أمية بالأندلس ترتيب جماعة من أعيان الفقهاء في مجلس شورى الأحكام الشرعية يصدر القضاة في أحكامهم عن خلاصة تحقيق جولاته، وممن كان في ذلك المجلس يحيى بن يحيى تلميذ مالك وعبدالملك بن حبيب وعيسى بن دينار.

وقد توسعوا في جميع علوم المنقول والمعقول وساووا فيها إخوانهم المشارقة وزاحموهم، فالأدب بجميع فنونه، والشرعيات أصولاً وفروعاً وتفسيراً وحديثاً، والرياضيات والطب والتشريح، ولم يخدم الفقهاء الشافعية والحنفية والحنابلة مسانيد أئمتهم كما خدم المالكية موطأ إمامهم فقهًا وشواهد ورجالاً وعربية وغير ذلك، فقد خدمه أئمة كثيرون؛ منهم الإمام القاضي إسماعيل بن حماد العراقي له عليه كتاب عظيم يسمى شواذ الموطأ في عشر مجلدات، ومنهم أبو محمد الأصيلي وأبو الحسن القابسي وشرحه ابن الحذاء في ثمانين جزءاً، والحافظ أبو عمر بن عبدالبر شرحاً واسعاً

¥


The Noble Quran - Quran translation

«"This is the fire which ye treated as a lie.»

Surah At-Tur