www.salatimes.com
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
المؤلف: الشنقيطي، محمد الأمين
الْآخِرَةِ. وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى إِلَى هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حَيْثُ قَالَ: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ) ، وَقَالَ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ، فَذَكَرَ الِاسْتِوَاءَ بِاسْمِهِ الرَّحْمَنُ لِيَعُمَّ جَمِيعَ خَلْقِهِ بِرَحْمَتِهِ، قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ) أَيْ: وَمِنْ رَحْمَانِيَّتِهِ: لُطْفُهُ بِالطَّيْرِ، وَإِمْسَاكُهُ إِيَّاهَا صَافَّاتٍ وَقَابِضَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ. وَمِنْ أَظْهَرِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) إِلَى قَوْلِهِ: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) ، وَقَالَ: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) فَخَصَّهُمْ بِاسْمِهِ الرَّحِيمِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا قَرَّرْتُمْ، وَبَيْنَ مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحْمَانُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمُهُمَا» . فَالظَّاهِرُ فِي الْجَوَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ الرَّحِيمَ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ كَمَا ذَكَرْنَا، لَكِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ؛ بَلْ يَشْمَلُ رَحْمَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا، فَيَكُونُ مَعْنَى: «رَحِيمُهُمَا» رَحْمَتُهُ بِالْمُؤْمِنِينَ فِيهِمَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا: أَنَّ ذَلِكَ هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) لِأَنَّ صَلَاتَهُ عَلَيْهِمْ وَصَلَاةَ مَلَائِكَتِهِ وَإِخْرَاجَهُ إِيَّاهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ رَحْمَةٌ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا. وَإِنْ كَانَتْ سَبَبَ الرَّحْمَةِ فِي الْآخِرَةِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [9 \ 117] فَإِنَّهُ جَاءَ فِيهِ بِالْبَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالرَّحِمِ الْجَارَّةِ لِلضَّمِيرِ الْوَاقِعِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَتَوْبَتُهُ عَلَيْهِمْ رَحْمَةٌ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَتْ سَبَبَ رَحْمَةِ الْآخِرَةِ أَيْضًا. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)
لَمْ يُبَيِّنْهُ هُنَا، وَبَيَّنَهُ فِي قَوْلِهِ: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا) الْآيَةَ [82 \ 17، 18، 19] .
وَالْمُرَادُ بِالدِّينِ فِي الْآيَةِ الْجَزَاءُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ) أَيْ: جَزَاءُ أَعْمَالِهِمْ بِالْعَدْلِ.
Le Noble Coran - Traduction du Coran
«Il dit: «Voici une chamelle: à elle de boire un jour convenu, et à vous de boire un jour.»
Sourate Ash-Shu'ara