| A+ A-

مُحْيِي السُّنَّةِ فِي الْعَالَمِينَ زَيْنُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَأَسْكَنَهُ فَسِيحَ جَنَّتِهِ وَنَفَعَنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِبَرَكَتِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQح ف (قَوْلُهُ مُحْيِي السُّنَّةِ فِي الْعَالَمِينَ) الْإِحْيَاءُ إعْطَاءُ الْحَيَاةِ وَهُوَ إدْخَالُ الرُّوحِ فِي الْبَدَنِ وَالْمُرَادُ هُنَا لَازِمُهُ وَهُوَ الْإِظْهَارُ وَفِي بِمَعْنَى اللَّامِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ زَيْنُ الْمِلَّةِ) أَيْ مُزَيِّنُهَا.

وَفِي الْمُخْتَارِ الزِّينَةُ مَا يَتَزَيَّنُ بِهِ وَالزَّيْنُ ضِدُّ الشَّيْنِ اهـ ع ش.

وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمِلَّةُ بِالْكَسْرِ الدِّينُ وَالْجَمْعُ مِلَلٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدْرٍ وَأَمْلَلْت الْكِتَابَ عَلَى الْكَاتِبِ إمْلَالًا أَلْقَيْتُهُ عَلَيْهِ وَأَمْلَيْت عَلَيْهِ إمْلَاءً وَالْأُولَى لُغَةُ الْحِجَازِ وَبَنِي أَسَدٍ وَالثَّانِيَةُ لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَقَيْسٍ وَجَاءَ بِهِمَا الْقُرْآنُ {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة: 282] {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا} [الفرقان: 5] (قَوْلُهُ زَكَرِيَّا) بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَبِهِمَا قُرِئَ فِي السَّبْعِ اهـ مَدَابِغِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ الْأَنْصَارِيُّ) نِسْبَةٌ لِلْأَنْصَارِ وَهُمْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَيُنْسَبُ الشَّيْخُ إلَى الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ وَهُوَ جَمْعُ نَاصِرٍ كَأَصْحَابٍ جَمْعُ صَاحِبٍ أَوْ جَمْعُ نَصِيرٍ كَأَشْرَافٍ وَشَرِيفٍ وَهُوَ جَمْعُ قِلَّةٍ عَلَى وَزْنِ أَفْعَالٍ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ لَا يَكُونُ لِمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ وَالْأَنْصَارُ أُلُوفٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ إنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي نَكِرَاتِ الْجُمُوعِ أَمَّا فِي الْمَعَارِفِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قُلْت النِّسْبَةُ لِلْجَمْعِ إنَّمَا تَكُونُ لِمُفْرَدِهِ وَقَدْ نُسِبَ هُنَا لِنَفْسِ الْجَمْعِ قُلْت مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَجْرِ الْجَمْعُ مَجْرَى الْمُفْرَدِ كَالْأَنْصَارِ فَإِنَّهُ صَارَ عَلَمًا عَلَيْهِمْ بِتَسْمِيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ بِذَلِكَ انْتَهَى وَبَلَدُ الشَّيْخِ سُكَيْنَةُ كَجُهَيْنَةَ قَرْيَةٌ بِالشَّرْقِيَّةِ قُرْبَ بُلْبَيْسَ وَكَانَ الشَّيْخُ يَكْرَهُ النِّسْبَةَ إلَيْهَا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ) أَيْ جَعَلَ الرَّحْمَةَ لَهُ كَالْغِمْدِ لِلسَّيْفِ وَالْمَقْصُودُ الْمُبَالَغَةُ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْغِمْدَ أَيْ الْقِرَابَ لَا يَعُمُّ السَّيْفَ كُلَّهُ انْتَهَى شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ فَسِيحَ جَنَّتِهِ) أَيْ وَاسِعَ جَنَّتِهِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ وَالصِّفَةُ كَاشِفَةٌ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا وَاسِعَةً انْتَهَى شَيْخُنَا (قَوْلُهُ بِبَرَكَتِهِ) أَيْ بِعُلُومِهِ وَمَعَارِفِهِ انْتَهَى شَيْخُنَا.

وَفِي الْمُخْتَارِ الْبَرَكَةُ وَالنَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ وَالتَّبْرِيكُ الدُّعَاءُ بِالْبَرَكَةِ وَيُقَالُ بَارَكَ اللَّهُ لَك وَفِيك وَعَلَيْك وَبَارَكَك وَمِنْهُ {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} [النمل: 8] وَتَبَارَكَ اللَّهُ أَيْ بَارَكَ مِثْلُ قَاتَلَ وَتَقَاتَلَ إلَّا أَنَّ فَاعَلَ يَتَعَدَّى وَتَفَاعَلَ لَا يَتَعَدَّى وَتَبَرَّكَ بِهِ تَيَمَّنَ انْتَهَى (قَوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى أَفْضَالِهِ) إلَى آخِرِ الشَّرْحِ هَذَا مَقُولُ الْقَوْلِ فَجُمْلَةُ الشَّرْحِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِقَالَ انْتَهَى شَيْخُنَا.

(فَائِدَةٌ) قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ أَيْ مِنْ جِهَةِ الصِّنَاعَةِ عَلَى كُلِّ شَارِعٍ فِي تَصْنِيفِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ: الْبَسْمَلَةُ وَالْحَمْدَلَةُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّشَهُّدُ وَيُسَنُّ لَهُ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ تَسْمِيَةُ نَفْسِهِ وَتَسْمِيَةُ كِتَابِهِ وَالْإِتْيَانُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِبَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ عَلَى التَّحْرِيرِ.

وَفِي مُنْلَا قَارِي عَلَى الشَّمَائِلِ مَا نَصُّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالْمُؤَلِّفُ فِي جَامِعِهِ فَقِيلَ: لَعَلَّهُ تَشَهَّدَ نُطْقًا وَلَمْ يَكْتُبْهُ اخْتِصَارًا وَقِيلَ: لَعَلَّهُ تَرَكَهُ إيمَاءً إلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ أَوْ مَحْمُولٌ عِنْدَهُ عَلَى خُطْبَةِ النِّكَاحِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ التُّورْبَشْتِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّشَهُّدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَمْدُ وَالثَّنَاءُ وَأَمَّا قَوْلُ الْجَزَرِيِّ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ لِمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» وَكَذَا تَصْرِيحُ الْعَسْقَلَانِيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّهَادَتَانِ فَلَا يُنَافِي التَّأْوِيلَ الْمَذْكُورَ إذْ مُرَادُهُ أَنَّ التَّشَهُّدَ هُوَ الْإِتْيَانُ بِكَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ وَسُمِّيَ تَشَهُّدُ الصَّلَاةِ تَشَهُّدًا لِتَضَمُّنِهِ إيَّاهُمَا لَكِنْ تُوُسِّعَ فِيهِ فَاسْتُعْمِلَ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْحَمْدَلَةِ.

أَمَّا اعْتِرَاضُ شَارِحِهِ بِأَنَّ ارْتِكَابَ الْمَجَازِ بِلَا قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَهُوَ صَحِيحٌ مَنْقُولٌ لَكِنَّهُ لَمَّا تَرَكَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْمُصَنِّفِينَ الْعَمَلَ فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ دَلَّ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ فَيُؤَوَّلُ بِأَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ تُحْمَلَ الْخُطْبَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْخُطَبِ الْمُتَعَارَفَةِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ وَالْأَعْيَادِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ التَّصْنِيفَ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ.

1 -

(قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى أَفْضَالِهِ) تَبِعَ فِيهِ الْجَلَالَ الْمَحَلِّيَّ فِي شَرْحِهِ الْأَصْلِيِّ وَإِنْ كَانَ عَبَّرَ بَدَلَهُ فِي شَرْحِهِ الْفَرْعِيِّ بِقَوْلِهِ عَلَى إنْعَامِهِ وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ مَادَّةَ الْإِفْضَالِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي الشَّيْءِ النَّفِيسِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْفَاعِلِ وَمِنْهُ قَوْلُ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي قِصَّةِ عَرْشِ بِلْقِيسَ {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} [النمل: 40] بِخِلَافِ مَادَّةِ الْإِنْعَامِ وَجُمْلَةُ الْحَمْدِ إنْ كَانَتْ خَبَرِيَّةً فَالظَّرْفُ أَعْنِي عَلَى أَفْضَالِهِ مُتَعَلِّقٌ؛ إمَّا بِالْمُبْتَدَأِ وَهُوَ الْحَمْدُ وَالْمَعْنَى كُلُّ حَمْدٍ، أَوْ جِنْسِهِ عَلَى أَفْضَالِ اللَّهِ لِلَّهِ وَهُوَ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ إلَّا أَنْ يُلَاحَظَ الْمُضَافُ فَقَطْ وَإِمَّا بِالْحَمْدِ اللَّازِمِ لِهَذَا الْخَبَرِ وَكَأَنَّهُ قِيلَ:


Le Noble Coran - Traduction du Coran

«Joseph dit : " Avant même que l'on vous apporte la nourriture qui vous est destinée, je vous aurai fait connaître l'interprétation de ces choses, ceci grâce à ce que mon Seigneur m'a enseigné. C'est que j'ai abandonné la religion d'un peuple qui ne croit pas en Dieu et qui nie la vie future.»

Sourate Yusuf